كلمة الاخ الامين العام الميلودي المخارق في المنتدى البرلماني الدولي الثاني للعدالة الاجتماعية‎

كلمة الاخ الميلودي المخارق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل في المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية في نسخته الثانية بمجلس المستشارين حول موضوع: مأسسة الحوار الاجتماعي: مدخل أساسي للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية: 

باسم الله الرحمان الرحيم
السيد رئيس الحكومة المحترم؛
السيد رئيس مجلس النواب المحترم؛
السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم؛
السيد ممثل منظمة الأمم المتحدة؛
السيد رئيس الاتحاد البرلماني الدولي؛
السيد المدير العام لمنظمة العمل الدولية؛
السيدة الأمينة العامة للاتحاد الدولي للنقابات؛
السيد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل؛
السيد ممثل المنظمة الدولية للمشغلين؛
السادة ممثلي الحركة النقابية الإفريقية،
السيدات والسادة النواب والمستشارون المحترمون؛
السيدات والسادة ممثلوا الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني؛
السيدات والسادة الحضور الكريم.
باسم الاتحاد المغربي للشغل اسمحوا لي في البداية أن أشكر مجلس المستشارين على تنظيمه لهذا المنتدى الهام الذي خصص له موضوع ذو راهنية ألا وهو: مأسسة الحوار الاجتماعي :”مدخل أساسي للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية“ وهو كما لا يخفى عليكم الموضوع الذي يعد في صلب اهتمام الحركة النقابية، باعتباره ركن مؤسس للديمقراطية الاجتماعية التي تعتبر الأرضية الصلبة لأي مشروع تنموي مستدام ومدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية.
السيدات والسادة،
إن اختيار هذا الموضوع ليس بغريب على مجلسكم الموقر بتركيبته السوسيواقتصادية والمجالية من ممثلي المأجورين وممثلي أرباب العمل و الجماعات الترابية، والذي يعد بدوره منتدى للحوار كان من نتائجه أن أنتج أهم القوانين لبلادنا في المجال الاجتماعي، على سبيل المثال لا الحصر: مدونة الشغل التي ظلت حبيسة الحكومات المتعاقبة لثلاثة عقود ومدونة التغطية الصحية، وذلك بفضل حوار اجتماعي هادف وبناء ساهمت فيه كل أطراف الإنتاج في بلادنا حكومة وحركة نقابية وأرباب العمل.
إن حضورنا اليوم كحركة نقابية وطنية مغاربية ودولية هو تجسيد لإيماننا الراسخ وقناعتنا المبدئية أن الحوار الاجتماعي هو الرافعة الأساسية للتنمية و هو الإطار الذي يضمن المشاركة الفعلية لأطراف العملية الإنتاجية، في وضع السياسات العمومية خاصة في المجال الاقتصادي و الاجتماعي، ومؤشرا على مستوى تطور وانتشار الفكر الاجتماعي لدى السلطة السياسية. وغياب الحوار الاجتماعي يعني التشبث بمنطق فكري أوحد وتسلطي يقوم على الاستغلال البشع لقوى العمل، وبالتالي لا يمكن تصور دولة الحق والقانون بدون مأسسة دستورية وقانونية وسياسية للحوار الاجتماعي.
إن مرجعية ومبادئ الاتحاد المغربي للشغل،
المنظمة التاريخية التي راكمت العديد من التجارب عبر أكثر من ستين سنة من النضال، تعتبر الحوار الاجتماعي من الآليات والمؤسسات التي أنتجها الفكر الديمقراطي عالميا. وجعلها المؤسسة الإطار لتدبير الخلافات لتجنب الأزمات والهزات الاجتماعية والاقتصادية، وفضاء لضبط وتدقيق الآليات والتدابير الكفيلة بتحقيق العدالة الاجتماعية وأنسنة العلاقات المهنية، وتعزيز الحقوق الأساسية للطبقة العاملة، وتجسيدا راقيا وحضاريا لتدبير الصراع، وتفعيل مبدأ الشراكة الاجتماعية بين كل مكونات المنظومة الإنتاجية. هذه المرجعية التي تـنهل من التراكمات القانونية والسياسية والمؤسساتية التي حققتها الحركة العمالية وكل المعاهدات والإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان المؤطرة من طرف الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية كإعلان فيلاديلفيا الذي اعتمدته منظمة العمل الدولية بإقرار صيغة الحوار والمشاركة على المستويات المختلفة بين العمال وأصحاب العمل والحكومات وسمح فيما بعد باعتماد العديد من المعايير في صيغة اتفاقيات دولية من ضمنها الاتفاقية رقم 144 بشأن المشاورات الثلاثية والاتفاقيتان رقم 98 ورقم 154 المخصصتان للتفاوض الجماعي في مقدمة وسائل الحوار الثنائي. والاتفاقية 87 حول الحرية النقابية والحق في التنظيم النقابي.
السيدات والسادة أيها الحضور الكريم ،
وفي الوقت الذي خصصت الأمم المتحدة الهدف الثامن ضمن أهداف التنمية المستدامة (2015-2030) لتوفير العمل اللائق للجميع وما يتفرع عنه من أهداف فرعية يفرض وضع آليات قانونية ومؤسساتية وعلى رأسها مأسسة الحوار الاجتماعي على المستوى الوطني والتي اعتبرتها منظمة العمل الدولية جزءا لا يتجزأ من الإطار المؤسساتي للسياسات العمومية، معتبرة الحوار الاجتماعي إحدى المجالات التسع ذات العلاقة بالاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية بما يحقق أهداف الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لا زالت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حسب التقارير تؤكد أن بلادنا لم تستطع بعد التخلّص من النموذج الاقتصادي الذي أبان عن فشله في تحقيق التنمية المستدامة، رغم كل التغيّرات والترميمات والإصلاحات الهيكلية المقياسية التي تم تنفيذها بإملاءات من المؤسسات النقدية الدولية. و تبني اختيارات اقتصادية هدفها ضبط التوازنات الماكروقتصادية، ولو كان ذلك على حساب القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعامة الشعب المغربي، سياسة تقشفية كان من بين إجراءاتها التخلي عن صندوق المقاصة ورفع الدعم العمومي عن المواد الأساسية، وما روج له “بإصلاح التقاعد” والعودة إلى خوصصة أهم الخدمات العمومية، والتخلص من الالتزامات الاجتماعية وضرب الوظيفة العمومية، و والاستمرار في سن سياسة ضريبية غير عادلة تثقل كاهل الفئات والطبقات الاجتماعية الأكثر هشاشة وفي مقدمتها الطبقة العاملة.
السيدات والسادة أيها الحضور الكريم،
اليوم وفي الوقت الذي انخرطت فيه بلادنا في العديد من الالتزامات الدولية ذات الصلة، وفي الوقت الذي أصبح الحوار الاجتماعي مكسبا دستوريا كما نص على ذلك الفصل 31 من دستور المملكة والذي جاء نتيجة للمطالب الملحة للحركة النقابية وعلى رأسها الاتحاد المغربي للشغل حيث تصّدر موضوع مأسسة الحوار الاجتماعي مذكراته المطلبية لتعديل دستور المملكة في سنة 2011، وفي الوقت الذي تتميز فيه بلادنا بترسانة قانونية مؤطّرة للحوار الاجتماعي وبعد التراكم الذي حققته الحركة النقابية مع الحكومات السابقة من خلال جولات للحوار الاجتماعي التي كان لها وقع ايجابي على المكاسب المادية والاجتماعية للطبقة العاملة خاصة اتفاق فاتح غشت 1996، واتفاق 30 أبريل 2003 ، واتفاق 26 ابريل 2011، رغم كل ذلك ومنذ هذا الاتفاق الأخير ظل الحوار الاجتماعي يراوح مكانه بسبب غياب الإرادة السياسية للحكومة. مما يؤكد أن مأسسة الحوار الاجتماعي لا تشكل خيارا سياسيا بالنسبة للقائمين على الشأن العام. بل لا يتم إجراء حوار اجتماعي إلا بعد سلسلة من الاحتجاجات العمالية مما كان له تكلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة أدتها الطبقة العاملة، وإن وجد ذلكم الحوار فإنه يتخذ طابعا موسميا وصوريا.
وفي هذا الإطار نسجل من خلال تجربتنا في الاتحاد المغربي للشغل ما يلي:
انعدام الإرادة السياسية لدى الحكومة في ميدان الحوار الاجتماعي؛
عدم استيعاب المفهوم الحقيقي والشامل للحوار الاجتماعي كما عرفته المواثيق الدولية وفي أدبيات منظمة العمل الدولية والعربية؛
تمرير قوانين اجتماعية جد مهمة واتخاذ قرارات سياسية حول قضايا اجتماعية مصيرية بالنسبة للطبقة العاملة ضدا على إرادة الحركة النقابية ودون إشراكها (القوانين التي تم تمريرها حول ما سمي بإصلاح أنظمة التقاعد و كذا التوظيف بالعقدة في الوظيفة العمومية إلخ…)
استمرار محنة الحريات النقابية بطرد النقابيين على مرأى ومسمع الحكومة، وذلك في خرق سافر لدستور المملكة والاتفاقية 135لمنظمة العمل الدولية، التي صادقت عليها بلادنا وكذا مقتضيات مدونة الشغل؛
محاولة إضعاف الحركة النقابية عبر تجميد الحوار الاجتماعي وتمييعه وإفراغه من محتواه؛
تأجيج الحراك الاجتماعي وارتفاع عدد الإضرابات العمالية القطاعية والوطنية للمطالبة بالحوار وتطبيق القانون، مما أصبح يهدد السلم والأمن الاجتماعيين؛
في حين فإن نجاح الحوار الاجتماعي يتطلب:
وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الحكومة من أجل نهج حوار اجتماعي حقيقي؛
يتوقف على مدى دمقرطة صياغة السياسات العمومية في مراحلها الثلاث، الصياغة التنفيذ والتقييم ؛
يتطلب تأهيل وتمكين أطراف الحوار وجعلها أطرافا قوية ومستقلة قادرة على الالتزام وتنفيذ الاتفاقات؛
يتطلب حرية نقابية وحمايتها ومناخا اجتماعيا سليما،
يتطلب مناخ أعمال سليم ومنافسة شريفة.
السيدات والسادة أيها الحضور الكريم،
إن تشبث الاتحاد المغربي للشغل بالحوار الاجتماعي نابع من قناعته الراسخة من كون هذا الأخير يجسد مبدأ التشارك بين الفرقاء الاجتماعيين في إدارة الخلافات والنزاعات وبناء التوافقات من اجل مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية واكتساب القدرة على تجاوز الأزمات، وباعتباره كذلك مجالا لإشراك الحركة النقابية في وضع وتطبيق السياسات الوطنية الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها أفضل السبل لحل المشكلات العمالية، وأداة ضرورية وحيوية لرفع مستوى الإنتاجية، وتجنب الخلافات في العمل لبناء مجتمع متماسك ومتضامن. وبالتالي فبناء مغرب الديمقراطية الحقة والكرامة والعدالة الاجتماعية لن يتحقق إلا عبر بوابة الحوار الاجتماعي باعتباره خيارا استراتيجيا.
وبناء على ذلك يظل الاتحاد المغربي للشغل بنظرته التفاؤلية قوة اقتراحية ترى في موضوع الحوار الاجتماعي أنه لا بد من:
إعادة هيكلة وزارة التشغيل وإعادة النظر فيها حتى لا تبقى تلكم الوزارة الثانوية واعتبارها الوزارة الأم لعالم الشغل، ومن تم تغيير تسميتها على أساس أن تصبح التسمية “وزارة التشغيل والحوار الاجتماعي”، ووضع البنيات والهياكل المؤسساتية الضرورية من برامج التكوين وثقافة الحوار للأطراف المعنية.
انبعاث المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي وتمكينه من صلاحيات قانونية ومؤسساتية واسعة و ضمان استقلاليته على أن يتم تعين من يرأسه بناء على معايير النزاهة والحكمة، ومنحه سلطات واختصاصات واسعة تسمح له إما من خلال الإحالة الذاتية l’auto saisine أو من خلال تلقي الطلبات saisine la بالنظر والحسم في كل القضايا والملفات الاجتماعية التي تتطلب حوارا اجتماعيا ومتابعة وتنفيذا لالتزامات الأطراف المعنية.
وفي هذا الإطار يمكن استحضار الدور الذي لعبه المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي، الذي أحدث بمقتضى ظهير 24 نونبر 1994، والذي أصدر العديد من الآراء الاستشارية إلى المؤسسة الملكية، والتوصيات والتقارير وكان له الفضل في معالجة العديد من الاختلالات التي طالت تدبير مؤسسات اجتماعية كمؤسسة صندوق الضمان الاجتماعي. كما كان للمجلس الذي يجمع في تركيبته الحكومة وممثلي العمال وممثلي أرباب العمل دورا كبيرا في تدبير النزاعات الكبرى التي عرفتها بلادنا، إلا أنه وللأسف تم تجميد هذا المجلس لأسباب مجهولة.
تشجيع إبرام اتفاقيات جماعية بين أطراف الإنتاج ومنح القطاعات والمقاولات التي تبرم إتفاقيات جماعية تشجيعات جبائية.
وهنا لا بد أن أستحضر كذلك المجلس الذي وضع اللبنة الأولى للحوار الاجتماعي ألا وهو المجلس الوطني للشباب والمستقبل CNJA ، الذي كان يرأسه الأستاذ الحبيب المالكي الرئيس الحالي لمجلس النواب.
إن تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية لشعوب منطقتنا لن يتحقق إلا بمأسسة الحوار الاجتماعي وهي القناعة التي تحكمت بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل في وضع مخطط استراتيجي لتكوين نخبة من الأطر النقابية في هذا المجال. لذلك فإن الاتحاد المغربي للشغل يجدد التعبير عن استعداده الكامل للعمل المشترك من أجل مأسسة الحوار الاجتماعي والدفع به ليكون بالفعل الآلية الديمقراطية والحضارية ليس فقط لحل نزاعات الشغل ببلادنا ، بل لرفع التحديات المطروحة علينا اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا والوصول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة لكل الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية والكرامة و العدالة الاجتماعية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الأمين العام في المنتدى البرلماني.

قراءة 1383 مرات